خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقاف

خطبة بعنوان: قيمة الوقت بين الواقع والمأمول بقلم د/ خالد بدير

عناصر الخطبة:
العنصر الأول: قيمة الوقت وأهميته في الإسلام.
العنصر الثاني: صور مشرقة من حفظ السلف للوقت
العنصر الثالث: الأسباب المعينة على حفظ الوقت وكيفية تطبيقها
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: قيمة الوقت وأهميته في الإسلام.
لقد عني القرآن والسنة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله به في مطالع سور عديدة بأجزاء منه مثل الليل، والنهار، والفجر، والضحى، والعصر، كما في قوله تعالى:( واللَّيْلِ إِذَا يَغْشى والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) ، ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) ، ( وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ ) ، ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْر ) . ومعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهميته وعظمته، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته.
وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: ” لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ .” [ الترمذي وحسنه الألباني]. وأخبر النبي أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت. وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنه: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ” [البخاري ] ومعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) أيْ الذي يُوَفَّقُ لذلك قليلٌ فقد يكون الإنسانُ صحيحاً، ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا، ولا يكون صحيحاً ، فإذا اجتمعا – الصحةُ والفراغُ – فغَلَبَ على الإنسان الكسلُ عن الطاعة فهو المغبونُ، والغبنُ أنْ تشتريَ بأضعافِ الثمنِ، وأنْ تبيعَ بأقَلّ مِن ثمنِ المِثْلِ .
فالآيات والأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة المسلم؛ لذلك فلابد من الحفاظ عليه وعدم تضييعه في أعمال قد تجلب لنا الشر وتبعدنا عن طريق الخير, فالوقت يمضي ولا يعود مرة أخرى.
إن الإنسان إذا عرف قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّ عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بديهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصاً على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه، وها هو الإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله: “وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته…. فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته”.
ويقول ابن الجوزي: “ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل “.
إن الوقت أغلى من المال لأن الإنسانُ حينما يَحرقُ مبلغاً كبيراً مِنَ المال يُحكَم عليه بالسَّفَهِ، ويُحْجَر على تصرفاتِه، ولأنه مركَّبٌ في أعماقِ الإنسانِ أنّ الوقتَ أثمنُ مِنَ المالِ، بدليلِ أنه يبيعُ بيتَه الذي يسكنُه ولا يملكُ شيئًا سِوَاهُ ليُجريَ بثمنِه عمليةً جراحيةً، متوهِّمًا أنّها تزيدُ في حياتِه سنواتٍ عدةً، فالوقتُ عندَ كلّ إنسانٍ أثمنُ مِنَ المال، وبناءً على هذه المُسَلَّمَةِ فإنّ الذي يُتلفُ وقتَه أشدُّ سَفَهاً مِنَ الذي يُتْلِفُ مالَه.
قال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك”. وقال: “يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك”. وقال: “الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه”.
لذلك كانوا لا يندمون إلا على فوات الوقت الذي لم يرفعهم درجة، قال ابن مسعود: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”.
وقال ابن القيم: “إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”.
وقال السري بن المفلس: “إن اغتممت بما ينقص من مالك، فابكِ على ما ينقص من عمرك”.
أحبتي في الله: هذه قيمة الوقت وأهميته فعلينا أن نستغل ألأوقات وأن نجعل حياتنا كلها لله، فلا نضيع من أوقاتنا ما نتحسر عليه يوم القيامة، فالوقت سريع الانقضاء فهو يمر مر السحاب.
العنصر الثاني: صور مشرقة من حفظ السلف للوقت
لقد حرص السلف الصالح علي وقتهم بما يعجز عنه الوصف والتعبير، وصفهم الحسن البصري رحمه الله بقوله: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.
ونقل عن عامر بن قيس من التابعين أن رجلاً قال له: تعال أكلمك، قال: أمسك الشمس، يعني أوقفها لي واحبسها عن المسير لأكلمك، فإن الزمن سريع المضي لا يعود بعد مروره، فخسارته لا يمكن تعويضها واستدراكها.
قيل لسفيانَ الثوري: اجلس معنا نتحدث. قال: كيف نتحدثُ والنهارُ يعملُ عملَه، ما طلعت الشمسُ إلا كانت شاهدةً على العبادِ فيما فعلوا؟!!
قال ابن عقيل رحمه الله: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حالة راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره. (ذيل طبقات الحنابلة) (1/ 145)
فانظر كيف يستغل وقت طعامه وراحته في إعمال فكره فيسطره بعد قضاء حوائجه الشخصية؟!!!
ويقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله:” إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ” وقال بعضهم: “من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍ قضاه، أو فرض أداه، أو مجدٍ أصله، أو حمد حصله، أو خيرٍ أسسه، أو علمٍ اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه”.
فكم نضيع من أوقاتنا بلا فائدة في ديننا أو دنيانا، ومن أقوال الفاروق رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة . وقال الشافعي- رحمه الله:” صحبتُ الصوفية فما انتفعتُ منهم إلا بكلمتين، سمعتهم يقولون: الوقتُ سيفٌ، فإن قطعته وإلا قطعك، ونفسُك إن لم تشغلها بالحقِّ شغلتك بالباطل”.
حتى إن ساعات الأكل لقوام حياتهم ومعاشهم كانت ثقيلة عليهم، فقد سألوا الخليل بن أحمد الفراهيدي – رحمه الله -: ما هي أثقل الساعات عليك؟ قال: ساعة آكل فيها. وكَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً «المجالسة وجواهر العلم» (1/ 346)
يااااااااالله!!!!!!!!!!! كم نضيع من الساعات في الحرام!! إذا كانوا حريصين على الوقت في طعامهم وشرابهم ويعتبرونه مضيعةً فكيف بنا؟!! ياااااالله؟!!! لطفك بنا يا رحمن.
قال ابن القيم -رحمه الله-: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. (الفوائد / ص 44)
وهناك قصة طريفة للشيخ الألباني – رحمه الله – مع النجَّار وباب المكتبة، تبين مدى حرصهم على الوقت، فقد نادى النَجَّار-نَجَارًا من النَجَّاِرين ناداهُ مرةً- قال لهُ أريدُ أن تقلِبَ بابَ المكتبة, بَدَلْ من أن يَفتح على الجهة اليمين تجعله يفتح على الجهة الشِمال. نظر إليه النجار – يعني ما السِّر؟ قال يا شيخ يعني يمين أو شمال ما المشكلة؟ قال-يعني الشيخ الألباني-:تستطيع؟ قال-النجار- طبعا أستطيع لكن قل لي ما السبب؟ قال-الشيخ الألباني-أنا وضعت مكتبي هنا فإذا كان الباب يفتح هكذا سأضطر أن أمشي خمس خُطُوَات زَائِدَة كي أصِل إلى المكتب, فأنا أخرج من المكتب خمس صلوات في اليوم والليلة؛ وقد أخرج مشوارًا لأغراض البيت أو لمحاضرة أو كذا فهاذي سبع مرات كل مرة بين ذهاب وإيَّاب، هاذي حوالي ربع ساعة أو ثلث ساعة ضاعت مني، في الأسبوع كم سيضيع؟! في الشهر كم سيضيع؟! لكن إذا فعلنا هكذا تكون رجلٌ في الباب ورجلٌ على المكتب فلا أُضيع وقتي.
والوَقْتُ أنفَسُ ما عُنِيتُ بحفظهِ — وأُرَاهُ أسْهَلَ مَا عَليَّ يَضِيعُ
يقول عبد الرحمن ابن الإمام أبي حاتم الرازي ” ربما كان أبي يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه ” فكانت ثمرة هذا المجهود وهذا الحرص على استغلال الوقت كتاب الجرح والتعديل في تسعة مجلدات وكتاب التفسير في مجلدات عدة وكتاب السند في ألف جزء.
لهذا فتح الله لهم قلوباً غلفا وأعيناً عمياً وآذاناً صماً!!! فإذا كنت تريد اللحاق بهم فاعمل عملهم ؛ فالله يسر لك سبل العلم والتقنيات الحديثة ما لم يصل إليه أحدهم، ومع كل ذلك أقول: لا يصل إليهم أحدكم!!! أليس كذلك؟!!!
لقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في اغتنام الأوقات حتى آخر رمق في حياتهم، سواء كان العمل دنيوياً أم أخروياً، فمن العمل الدنيوي ما أخرجه الطبراني في الجامع الكبير: عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك ؟ فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غدا فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها, فقال عمارة: فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي “
ومن العمل الأخروي ما روى عن الجنيدِ ابنُ محمدٍ أن الوفاةَ حضرتُه، فأخذ يقرأُ القرآنَ في سكراتِ الموتِ ويبكي، فقالوا له تقرأُ القرآن وأنت في سكراتِ الموتِ! قال سبحانَ الله، من أحوجُ مني بقراءةِ القرآنَ وقد أصبحت لحظات تعدُ عليَّ.
لذلك قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شي من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة “
ولذلك شكى وبكى الصالحون والطالحون ضيقَ العمر، وبكى الأخيارُ والفجارُ انصرامَ الأوقات، فأما الأخيارُ فبكوا وندموا على أنهم ما تزودوا أكثر، وأما الفجارُ فتأسفوا على ما فعلوا في الأيامِ الخالية.
قال أهلُ السيرِ: حضرت الوفاةُ نوحا عليه السلام، فقيل له يا نوحُ كيف وجدت الحياة؟ قال والذي نفسي بيدِه ما وجدتُ الحياةَ إلا كبيتٍ له بابان دخلتُ من هذا وخرجتُ من الآخر. فيا ابنَ الستينَ والسبعين أنت ما عشت ألفَ سنة، فكيفَ تصفُ الستينَ والسبعينَ في معاصي الله، وفي انتهاكِ حدودِ الله، وفي التجرئِ على حُرماتِ الله؟!!
العنصر الثالث: الأسباب المعينة على حفظ الوقت وكيفية تطبيقها
عباد الله: إن تقارب الوقت والزمن وسرعة مروره دون فائدة علامة على قرب الساعة، فقد أخرج الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ ” (صححه الألباني) وفي رواية “وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ ” أي ورق الجريد اليابس، وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ. قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ الْقَتْلُ” (متفق عليه) فهذه العلامة من علامات الساعة من أوضح العلامات وأظهرها اليوم؛ إذ أننا نشهد وقوعها اليوم ونراها واضحة جلية، فالوقت يمر على الناس بصورة سريعة تدعو للدهشة والتأمل، فلا بركة في الوقت؛ حتى يخيل إلى الواحد أن السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم؛ ولا أصدق من وصف النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر: قد وجد ذلك في زماننا هذا , فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا .
قلت : كيف لو رأى زماننا اليوم ! فنحن اليوم نشهد بوضوح هذه المعاني لتقارب الزمان فلا يوجد بركة في الوقت وأصبح الناس يتحدثون عن السنوات وكأنها أشهر ناهيك عن الأيام والأسابيع !
أحبتي في الله: تعالوا بنا إلى تطبيق واقعنا المأمول، وكيف نستثمر وقتنا كما فعل سلفنا الصالح، وذلك من خلال الأسباب التي تعين على حفظ الوقت وتتلخص فيما يلي:-
1- محاسبة النفس: وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله. وهي دأب الصالحين وطريق المتقين، فحاسب نفسك أخي المسلم واسألها ماذا عملت في يومها الذي انقضى؟ وأين أنفقت وقتك؟ وفي أي شيء أمضيت ساعات يومك؟ هل ازددت فيه من الحسنات أم ازددت فيه من السيئات؟!
2- تربية النفس على علو الهمة: فمن ربَّى نفسه على معالي الأمور والتباعد عن سفسافها، كان أحرص على اغتنام وقته، ومن علت همته لم يقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم………. وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ………وتصغر في عين العظيم العظائم
3- صحبة الأشخاص المحافظين على أوقاتهم: فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم، والحرص على القرب منهم والتأسي بهم، تعين على اغتنام الوقت، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله، ورحم الله من قال:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِب خِيارَهم *** ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينهِ *** فكلُّ قرينٍ بالمقــــــــــــــــــــارَن يقتـــــــــــــــــدِي
كما يجب الابتعاد عن صحبة مضيعي الأوقات فإن مصاحبة الكسالى ومخالطة مضيعي الأوقات، مهدرة لطاقات الإنسان، مضيعة لأوقاته، والمرء يقاس بجليسه وقرينه، ولهذا يقول عبد الله بن مسعود: “اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله”.
4- معرفة حال السلف مع الوقت: فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم لَأكبر عون للمسلم على حسن استغلال وقته، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وهم أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله، وقد سبقت صور مشرقة لذلك.
5- تنويع ما يُستغل به الوقت: فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل، وتنفر من الشيء المكرر، وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدر ممكن من الوقت.
6- إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض: فكل يوم يمضي، وكل ساعة تنقضي، وكل لحظة تمر، ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها. وهذا معنى ما قاله الحسن: “ما من يوم يمرُّ على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبداً”.
7- تذكُّر الموت وساعة الاحتضار: فحين يستدبر الإنسان الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن، ليصلح ما أفسد، ويتدارك ما فات، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل وحان زمن الحساب والجزاء. فتذكُّر الإنسان لهذا يجعله حريصاً على اغتنام وقته في مرضاة الله تعالى.
8- تذكُّر السؤال عن الوقت يوم القيامة: فحين يقف الإنسان أمام ربه في ذلك اليوم العصيب فيسأله عن وقته وعمره، كيف قضاه؟ وأين أنفقه؟ وفيم استغله؟ وبأي شيء ملأه؟ فتذكرُ هذا يعين المسلم على حفظ وقته، واغتنامه في مرضاة الله.
9- الحرص على الاستفادة من الوقت: فإذا كان الإنسان شديد الحرص على المال، شديد المحافظة عليه والاستفادة منه، وهو يعلم أن المال يأتي ويروح، فلابد أن يكون حرصه على وقته والاستفادة منه كله فيما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود عليه بالخير والسعادة أكبر، خاصة إذا علم أن ما يذهب منه لا يعود. ولقد كان السلف الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم؛ لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها، وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير، يقول الحسن: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.
10- تنظيم الوقت: بين الواجبات والأعمال المختلفة دينية كانت أو دنيوية بحيث لا يطغى بعضها على بعض، ولا يطغى غير المهم على المهم. يقول أحد الصالحين: “أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية. ولله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية: فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المنَّة من الله عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها، ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر، ومن كان وقته المعصية فسبيله التوبة والاستغفار، ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا والصبر”.
11- اغتنام وقت فراغه: الفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فنراهم لا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها، يقول أحد الصالحين: “فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجرَّ في قِياد الشهوات، شوَّش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه”. فلابد للعاقل أن يشغل وقت فراغه بالخير وإلا انقلبت نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل: “الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غُلْمة” أي محرك للشهوة.
أحبتي في الله: هيا إلى اغتنام الأوقات والعودة إلى رب الأرض والسماوات، وإياكم والتسويف فإن التسويف آفة تدمر الوقت وتقتل العمر، قال الحسن : إياك والتسويف ، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غداً لك فكن في غد كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم، وللأسف فقد أصبحت كلمة “سوف” شعاراً لكثير من المسلمين وطابعاً لهم، فإياك أخي المسلم من التسويف فإنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد، وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل، واعلم أن لكل يوم عملاً، ولكل وقت واجباته، فليس هناك وقت فراغ في حياة المسلم، كما أن التسويف في فعل الطاعات يجعل النفس تعتاد تركها، وكن كما قال الشاعر:
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جنَّ ليلٌ هـل تعـيشُ إلى الفجــرِ
فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ *** وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهرِ
وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً *** وقـد نُسجتْ أكفانُه وهـو لا يـدري
وأخيرا نداء:-
إلى كل من سهر أمام التلفاز .. لمشاهدة المسلسلات والأفلام .. والفاتنات من الفتيات المتبرجات .. إلى كل أخ إلى كل أخت . أقول لكل منهما .. انتبه من غفلتك هذه فهي عليك دمار لم تدركها اليوم ولكن ستدركها غدا. سؤال؟ وأساكم أيها الشباب هل ضيعتم دقيقة في رضا الله أم في غضبه؟.
الوقت فيه العبر .. الوقت فيه العظات ..إن عمر المسلم في هذه الدنيا وقت قصير … وأنفاس محدودة ..وأيام معدودة .. فمن استثمر هذه اللحظات والساعات في الخير … فطوبى له .. ومن أضاعها وفرط فيها .. فقد خسر زمنا لا يعود إليه أبدا ، وفى هذا العصر الذي تفشى فيه العجز… وظهر فيه الميل إلى الدعة والراحة .. جدب في الطاعة .. وقحط في العبادة .. وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة ، ونلاحظ في زمننا هذا الجهل بقيمة الوقت والتفريط فيه … أصبح الوقت زمن الدعة .. زمن الكسل .. هذا العصر التي ماتت فيه الهمم … وخارت فيه العزائم … تمر الساعات والأيام ولا يحسب لها حساب ، بل إن هناك من ينادى صاحبه لكي يقضى وقت فراغ .
ألا ترى الليلَ والنهارَ كيف يمرانِ في صرمِ الأعمار، ألا ترى إلى الدقائقِ والثواني لا تعود، ألا ترى إلى الشمس إذا غربت فلا يمكنُ أن تأتي في اليومِ الذي صرمتَه؟!!!
نروحُ ونغدو لحاجتِنا .. وحاجةُ من عاشَ لا تنقضي
تموتُ مع المرِ حاجتُه …. وتبقى له حاجةُ ما بقي
ألا عملت في عمر القليل ما ينفعك وينفع مجتمعك بعد وفاتك!! ويظل عملك ذكراً وأثراً لك، قال صاحب الحكم العطائية: رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعت آمادُه، وقلَّتْ أمدادُه، ورُبَّ عُمُرٍ قليلةٌ آمادُه، كثيرةٌ أمدادُه، ومَنْ بوركَ له في عُمرِه أدركَ في يسيرٍ مِنَ الزمنِ مِنَ المِنَنِ ما لا يدخلُ تحتَ دائرةِ العبارةِ ، ولا تلحقُه وَمْضَةُ الإشارةِ .
دقــــــــــاتُ قلبِ المرءِ قائلَةُ له ………… إن الحياةَ دقائقُ وثواني
فارفع لنفسِك قبلَ موتِك ذكرَها … فالذكرُ للإنسانِ عمرُ ثاني
فبادر أخي المسلم باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله، واحذر من التسويف والكسل، فكم في المقابر من قتيل سوف. والتسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه، فاحذر أن تكون من قتلاه وضحاياه.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي

 

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »